ذاكرة تـائه

لا أعلم، لا أعلم لمَ أنا تائه في هذا العالم وسط كل هذه الحشود من الناس، لا أعلم لم أصبحت عاجزا عن معرفة من أكون وما سبب وجودي هنا في هذا المكان والزمان، أرى كل شيء يتلاشى يوما بعد يوم،  أحلامي، أفكاري، مواهبي وكل شيء، حتى شخصيتي أصبحت أكثر غموضا، لم أعد قادرا على التعبير عن أحاسيسي وكل ما يخالجني، كل هذا الكم الهائل من الأفكار التي تستوطن كياني أصبحت عاجزة عن الخروج لأرض الواقع، كمٌّ هائل من المعلومات والأفكار تتلاشى بداخلي شيئا فشيئا ولست أدري ما السبب. 

أصبح وجود الآخرين حولي لا يعني لي شيئا فلم أعد أحس بوجودهم حتى، والأخطر من ذلك أني أصبحت أكرههم!! أكره وجودهم حولي وأكره حواراتهم وآراءَهم، أكره كل شيء وكأنني من عالم وهم من عالم آخر. لم أعد أريد التواصل معهم ولا معاشرتهم فهم لا يفهمونني وأنا لم أعد أفهمهم، بل ولست حتى أطيقهم؛ ليتني أستطيع مغادرة هذا العالم إلى مكان لا أعرف فيه أحدا، مكان أمشي فيه دون أن يتبه جنس بشر لوجودي أو يراني حتى، مكان أستطيع فيه أن أُعَبِّر عن أفكاري وعن ما بداخلي، مكان أستطيع فيه استرجاع نفسي وإطلاق العنان لأفكاري التي أصبحت تضايق عقلي وتخنق روحي، عَلَّني أصبح الشخص الذي لطالما أردت أن أكونه.

طموحي الكبير ونظرتي للحياة جعلت هذا العالم كله صغيرا في عيني، صغيرا لدرجة أنه لا يمكنني التجول هنا وهناك دون أن أجد نفس الأشخاص نفس العقليات ونفس الكلام، إن هذا العالم صغير جدا لدرجة أَنَّ أفراده أُصيبوا بنفس العدوى التي تنتقل من شخص لآخر. ليتني أصبت بمُصَابهم، ليتني لم أقاوم ليتني استسلمت وانجرفت مع التيار، على الأقل سأكون مثلهم سأستمتع بكل ما يستمتعون به وأبتسم كما يبتسمون وسأنظر للعالم من نفس الزاوية التي ينظرون إليه منها، سأفكر مثلهم وأشاركهم نفس الآراء، عندها كنت سأكون بخير. 

إنّ كوْني مختلفًا ولو بشكل قليل جعلني على ما أنا عليه، فهو سبب كل هذه المعاناة التي بداخلي، وهو أصل كل الصراعات التي تحدث هنا داخل عقلي لدرجة أنني لم أعد أعرف هل أنا مختلف فعلا أم أن حرف الفاء سَقطَ وأصبحت مجرد مختل!!

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *