موسم سيدي محمد بن يعقوب

المواسم التي تقام سنويا في المغرب لها طعم خاص، بعيدا عن الأحكام الدينية وتصنيفها ما بين الحرام والحلال فالله وحده هو الذي يعلم ما في النفوس وما تكن الصدور. فلا يمكن أن تكون مغربيا أصيلا دون تقع في حب المواسم واللقاءات السنوية التقليدية التي تنظم في كل ربوع البلاد، فهي عبارة عن تقاليد وأعراف تدخل في حياة المغربي، ومتصلة به وراسخة في ضميره الجمعي، يستمتع بزيارتها ويرتقب تواريخها كل سنة، كل يزورها بنيته ولكل مبتغاه.

القصد من الزيارة هو التعرف على التقاليد والطقوس وملاحظة كل ما يقع ولقاء السكان وتأمل المعمار والهندسة والأزياء المنتشرة في المنطقة. هذا الشغف بالاكتشاف مرتبط بالشخص سواء كان الموسم مغربيا أو موسما بأعالي «الهيمالايا» أو في جبال «الأنديز». يجب أن ترى جمال الكون في بلدك أولا، ربما تتاح لك الفرصة لتشاهده في بلدان أخرى.

جل الأجانب الذين يزورون المغرب يقعون في حب طبيعته الخلابة، أكلاته المتنوعة، عمرانه وأزيائه التي لا مثيل لها. هذا ما وقع لرحالة وصانع أفلام أمريكي جاب دول العالم، وحط الرحال بالمغرب وقام بتصوير مقتطفات من مناطق مختلفة ما بين الجبل، البحر والصحراء، ووثق احتفالات المغاربة إبان مشاركة المنتخب في كأس العالم الأخيرة وقال: «.. يجب أن يفتخر المغاربة ببلدهم وثقافتهم… »؛ نعم، نحن كذلك على مر الأزمان.

الفيلم القصير للأمريكي براندون لي حول سحر المغرب

موسم بن يعقوب الذي يقام في شهر أبريل من كل سنة بزاوية «إيمي نتاتلت» كما تسمى، قيادة « أقا إيغان» ، عمالة إقليم طاطا، هو موسم ديني صوفي وتجاري أيضا، يحج إليه الناس من كل حدب وصوب على مدار أسبوع.

في أوقات الموسم تعرف المنطقة نشاطا مهما وحركة في وسائل النقل المختلفة يقصده الزوار من كل المناطق المجاورة. في الصباح الباكر من يوم الخميس قبل يوم واحد من نهايته، إستقلينا أنا وابن العائلة سيارة الأجرة متوجهين إلى الموسم بعد أن أتيحت لي فرصة تواجدي بمدينة طاطا في ذلك الوقت من سنة 2013.

أزيد من ساعة في الطريق المؤدية إلى زاوية «إيمي نتاتلت»، سائق سيارة الأجرة كثير الكلام بدأ بالحديث عن السياسة، أغلب سائقي سيارة الأجرة يحبون تزجية الوقت والحديث في أي موضوع مع الزبناء، فما بالك إن تعلق الأمر بجدال السياسة العقيم ووحلها الذي لا تنتهي متاعبه، لكن حسن فعل، فأن تجد من يناقش طيلة مدة الرحلة بدون كلل نعمة، خاصة إن كانت الطريق عبارة عن أراضي منبسطة شبه صحراوية جافة تصيب الانسان بالملل واليأس، حيث تظهر بين الفينة والأخرى سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس وبعض الرحل يسيرون وراء قطيع الاغنام، وبعض الدواوير القليلة تظهر في جنبات الطريق.

توقفنا في استراحة لشرب الشاي بدوار «أقا إيغان»، براد من «أتاي» في مقهى صغير؛ كلما اتجهت إلى الجنوب والجنوب الشرقي لا تطلب القهوة أو مشروب آخر، أطلب الشاي فلن تندم على ذلك.
صديقنا سائق سيارة الأجرة كان مناصرا لأحد الأحزاب، ومعارضا للحزب الإسلامي الذي تولى القيادة آنذاك، ومن الصدف أن أحد الركاب كان من حزب المصباح، فبدأت المناظرة، استمعنا إلى ذلك النقاش طيلة مدة الرحلة، فأنعم الله علينا بوسيلة للتسلية وطرد الملل.

تزامن ذلك اليوم مع زيارة بعض الشخصيات المهمة للموسم، وجدنا فور وصولنا الصفوف والجمع قد انفض. زاوية بن يعقوب عبارة عن دوار يقع في جنبات الوادي، لكن ما يثير الانتباه هي المباني القديمة والمزخرفة على الطريقة الأمازيغية القديمة التي بنيت بطريقة عجيبة، أبراج كبيرة صامدة أمام المناخ القاسي، إنها عبقرية المهندسين القدامى الذين تعلموا بدون مدارس ولا جامعات.
تتوسط الدوار دروب وأنت متجه مشيا نحو الأعلى حيث دور الشرفاء المشرفين على الزاوية والموسم الذي ينظم منذ سنوات طويلة.

من مدخل الدوار حيث يتم ركن وسائل النقل إلى غاية بلوغ المسجد أو الزاوية وعلى طول الطريق نصبت خيام على اليمين وعلى اليسار وفي كل الأمكنة للباعة الذين يعرضون سلعهم من كل الأنواع، التقليدية منها والعصرية، من الأثواب إلى الآلات المستعملة في الحرث، الخزف، حتى بيض النعام يباع من طرف العطارين، الكتب، حتى زعفران « تاليوين » متوفر كذلك رغم قلته.

زيارة عامل إقليم طاطا لموسم سيدي محمد بن يعقوب

إستقبلنا أحد أصدقاء ابن العائلة الذي كان برفقتي، تناولنا وجبة الغذاء في منزل فخم من الطراز القديم، وهو عبارة عن «تدواريت» أو رياض قديم على الطريقة الأمازيغية، تتأمل سقف البيت وتلاحظ أنه مصبوغ بألوان مختلفة لا أعرف نوع الصباغة التي يستعملونها قديما، حتما ستكون من صنع محلي فالجنوب الشرقي تنتشر فيه هذه الزينة.

طاجين مع خبر مطبوخ في الفرن التقليدي كان وجبتنا؛ بعد ذلك تركنا الجمع وعدنا مرة أخرى إلى السوق للقيام بجولة أخيرة قبل المغادرة، حيث كانت تهب عاصفة وبعض القطرات المطرية التي تأتي من بعيد، ولعل ما يقض مضجع الزوار هو فكرة هطول أمطار رعدية مفاجئة، فالكل يعرض سلعته في ذلك الوادي لانعدام المساحة، ولا يمكن تصور ذلك السيناريو المخيف.

اشترينا خبزا يطبخ بطريقة تقليدية داخل فرن، تشاهد الخبز وهو يطبخ قبل استلام حصتك، فهناك عدد كبير من الزوار الذين ينتظرون دورهم، أخبرونا أن سعره زاد قبل نهاية الموسم، ربما للإقبال المتزايد عليه واستغلال فرصة الموسم للحصول على دخل إضافي. إنه «بركة» الموسم مع بعض الأشياء البسيطة الأخرى قبل مغادرتنا.

موسم سيدي محمد بن يعقوب

Exit mobile version