النموذج التنموي من منظور المواطن المغربي

#EcoBlogs | تحدّيات الاقتصاد المغربي | الجزء الرابع

أشار الملك محمد السادس، في أكثر من خطاب، إلى ضرورة إيجاد نموذجٍ تنموي يضع المواطن المغربي في صلب اهتماماته بعد ما عرَّى النموذج الحالي عن فشله في الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية؛ وأظن أن النموذج الجديد يجب أن يتمركز حول النقاط التالية:

أولا : تثمين العنصر البشري، وذلك من خلال توفير الظروف الملائمة للعمل والإبداع للأطفال والشباب حتى يساهموا بشكل فعال وإيجابي في جلب النفع لبلدهم، وهذا الأمر لن يتحقق دون الرفع من ميزانية قطاعيْ الصحة والتعليم والبحث العلمي أيضاً.

تثمين العنصر البشري يعني أيضا الاهتمام بالكفاءات المغربية التي أصبحت تغادرنا كسرب الحمام – المغاربة هم الأوائل على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط في هجرة  الأدمغة- بحثا عن فرص أفضل. كمثال على هذا، نشَر مؤخرا مصطفى فكاك، المعروف بـ”سوينگا” صاحب سلسلة “أجي تفهم”، فيديو قصيرا من دقيقة ونصف تقريبا ذكر فيه أن تقريرا رسميا فرنسيا أكَّد أن عدد الأطباء المغاربةِ الأصل بفرنسا أكثر من 6000 طبيب، عددٌ يفوق إجماليَّ الأطباء العاملين بالقطاع العام المغربي والذي يناهز 4000 طبيب فقط!!

هجرة هذا الكم الهائل من الخبرات في كافة العلوم والتخصصات يعني خسارة كبيرة للمغرب لأُناس لهم الشأن الكبير في بناء اقتصاد معرفي صلب؛ لذا تحتاج هذه النخبة الحقيقية التأطير والتشجيع والدّعم والتّقدير من طرف المجتمع المدني ومؤسسات الدولة على وجه الخصوص.

ومن محاسن الصدف أنه في الوقت الذي كنّا نعد فيه تدوينتنا الأسبوعية، تلقّى المغاربة قاطبة خبَرَيْن مُفرحَيْن عن شباب الوطن. الأول، شاب مغربي تُوِّج في قطر بطلا في مسابقة هي الأكبر عربيا في مجال الاختراعات والابتكارات؛ الدكتور يوسف العزوزي ابن مدينة القصر الكبير، أفضل مخترع عربي لسنة 2019 بفضل تصميمه دعامة لتعديل تدفق الدم عند مرضى القلب لا تحتاج لصيانة مع الوقت، وبتكلفة جد منخفضة مقارنة مع الحلول المتاحة حالياً. والثاني، تلميذة السلك الثانوي التأهيلي فاطمة الزهراء أخيار ابنة مدينة تطوان، والتي تأهلت لنهائي مسابقة تحدي القراءة العربي بدولة الإمارات لتصبح على بعد خطوة واحدة من تحقيق اللقب للمغرب للمرة الثانية على التوالي.

تقرؤون أيضاً على مدونة زوايا

أمثالُ يوسف العزوزي وأبطال العالم في المحاكاة الطبية وفاطمة أخيار ومريم أمجون ولحسن أولحاج وغيرهم كُثُر في شتى المجالات؛ نماذج مُشرّفة قد تُفكر يوما ما في مغادرة ربوع المملكة مطمئنة لأنها ستلقى كل الترحاب والدعم في أي بلد آخر، لذا وجب إقناع هؤلاء النخب من أجل البقاء والتأثير الإيجابي في المجتمع وذلك بالعمل الجاد وليس بالقول والخطابات الشاعرية الرنانة عن حب الوطن فقط، نريد نسخًا كثيرة منهم لأننا نؤمن أن الإبداع والعطاء عدوى متنقلة. 

ثانيـاً: بما أن الاستهلاك الأسرى يمثل دعامة أساسية لنمو الاقتصاد المغربي، فبالتالي وجب دعم الطبقتين المتوسطة والفقيرة من خلال رفع الأجور وتسهيل ولوجهم إلى الخدمات الاجتماعية وكذا تقنين أسعار السلع وحماية المستهلك من جشع الشركات وطمعهم اللامحدود. 

فمثلا، أكد البنك الدولي في تقرير صدر في شهر غشت الماضي على أن ثَمَن المياه المعدنية في المغرب مرتفع بنسبة 17٪ مقارنة مع دول أخرى بشمال إفريقيا، أي دول تجاورنا جغرافيا وتاريخيا واقتصاديا. 

ثالثـاً: في ظل ارتفاع نسبة البطالة في المغرب خاصة في أوساط الشباب وحاملي الشواهد، فإنه من الأجدر أن يتم التسريع في تطوير المنظومة التعليمية بشكل جذري حتى تتماشي مع متطلبات سوق العمل، كما يجب أيضا خلق تكوينات وماسترات تُعنى بالجانب المقاولاتي، حتى يتحصل شبابنا على تكوين وتحصيل جامعي يساعدهم على تحويل أفكارهم إلى مقاولات على أرض الواقع، كما يجب ألاَّ نُغفِل دور المؤسسات البنكية في دعم وتمويل هذه المشاريع الصغيرة. 

رابعا: تسريع وتعجيل تنفيذ المشاريع الخاصة بالطاقات المتجددة وتنقية المياه المالحة للتخفيف من عبء فاتورة الطاقة المستوردة ومواجهة مشكل نقص المياه في المستقبل، وكذا تطوير صناعاتنا التكنولوجية وحد الارتباط الكبير بالقطاع الفلاحي. 

خامساً: إصلاح النظام الضريبي وذلك من خلال فرض ضرائب على الأصول الثابتة والطبقات الغنية وتحقيق العدالة الجبائية من خلال تفعيل قوانين صارمة ضد المتهربين من أداء الضريبة. أيضا، لا بد من التفعيل الحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بحيث أن الاكتفاء بالإعفاء من المهام ليس كافيا في ظل تنامي إشكاليات الفساد في المغرب. 

أخيرا وليس آخرا، العمل على توجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو مشاريع متعددة وخلاَّقة للقيمة المضافة تعطي دفعة لخلق استثمارات جديدة أخرى لتدور عجلة الاقتصاد نحو الأعلى. 

تبقى هذه مجرّد وجهاتِ نظر شخصية انطلاقا من دراسات للوضع الاقتصادي المغربي، وهناك أفكار واقتراحات وحلول أخرى تصبُّ في الموضوع نفسه، بيد أن الرابط الأساسي بينها جميعا هو العمل الجاد لتحقيقها على أرض الواقع والخروج من القول للفعل والتنفيذ،كما التغيير الجوهري في العقول والنفوس، فـإنّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم. 

يُتبع

Exit mobile version