الطوبيس

مجتمع مصغر، حقيقة مخفية، واقع معاش

صعدت إلى الحافلة او ما يطلق عليها ” الطوبيس” بمشقة كبيرة، دفعت أجر الرحلة المحدد في ثلاثة دراهم وحصلت على  التذكرة…بعد عدة دقائق أتيحت لي الفرصة للجلوس في أحد المقاعد .

فما إن استقررت في مكاني حتى انتبهت لخلق الله حولي…فرأيتها هي، امرأة في الأربعينيات من عمرها، وضعت كرسيا بلاستيكيا صغيرا في وسط الحافلة وجلست عليه، حملت ابنها الأصغر الذي كان يتظاهر بالنوم بين يديها، بينما بقي الأكبر(10سنوات) يتربص للحصول على مقعد شاغر…لاحظت نظرات الناس إليها…فقد كانت الوحيدة التي تمردت على نظام وسيلة النقل العمومي  تلك . يبدو انها  امرأة عادية، تربت وسط عائلة تؤمن أن مصير الفتاة هو الزواج،هدفها في الحياة تربية الأبناء وواجبها الأسمى طاعة الزوج، وأي زوج هذا؟ ربما هو الآن يعيش بين جدران السجن، أوربما هو الان طليقها ، أو قد يكون زوجا متماطلا يترك لزوجته كل مهام الحياة ; داخل البيت وخارجه.

صرفت عنها تفكيري بعد أن وجد لها ابنها مكانا بين المقاعد، لكن سرعان ما ظهر أمامي مشهد آخر.
شباب ضائع، لا أرى لهم هدفا ولا مصيرا، غارقون بين أمواج الحياة ولا يبذلون جهدا لإنقاذ أنفسهم…ما قيمة حياتهم الآن؟
شابات تافهات، يتبثن وجودهن بإعلاء أصواتهن والاحتجاج على السائق لأنه أسرع قليلا!!! لا أرى أية سرعة…ربما  لست طبيعية.

أطفال صغار; منهم من يحرس بضاعة أمه في محاولة منه لمعانقة الرجولة، ومنهم من ينتظر بلوغ وجهته بفارغ الصبر .
طفلة صغيرة، لم تكف عن التحدث ومشاكسة  أمها…ضحكاتها المتتالية تدفعني للالتفات إليها في كل مرة .
عبر  ذهني كل هذا وأنا ألعب بتلك التذكرة بين أصابعي حتى صارت متجعدة  اصبحت تشبه احشاء كبش بعد غسلها يوم العيد الأضحى.

خرجت عن صمتي ذلك وتوجهت بسرعة إلى السائق لأسأله إن كان سيتوقف في المحطة التالية…سؤال غبي جدا…لكنني فضلت أن أسأله على أن أقبع في تخيلاتي تلك حتى أجدني في “دوار الرمل” فلا أجد للعودة حيلة.

الطوبيس

ايمان سباع

طالبة في مجال التجارة و التسيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *