أي حق للسكن بالمغرب؟

يرتبط النمو السكاني بالمغرب بتزايد الطلب على السكن، وفي هذا الصدد كفل الدستور المغربي للمواطنات والمواطنين الحق في السكن تأسيسا على الفصل 31 من الدستور، فضلا عن كونه حقا لا ينفصل عن منظومة حقوق الانسان الكونية التي نص عليها ذات الدستور، وذلك على غرار الدستور الاسباني، والبلجيكي، خلافا لدستور كل من فرنسا، وألمانيا على سبيل المثال).
يجد هذا التكريس الدستوري أساسه في المواثيق الدولية لحقوق الانسان، وأولها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نص على أنه “لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن التغذية والملبس والمسكن، والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل، والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته“، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يلزم الدول الأطراف على الإقرار بحق كل فرد في مستوى معيشي كاف له ولأسرته بما يوفر حاجياته من المأوى.. . وإن كانت هذه المرجعيات الدولية تتجاوز مجرد الحق في المأوى (السكن)، إلى خصائص ومستلزمات هذا الحق ومشتملاته المتعلقة به، فإن هذه الجوانب نعتقد أنها مازالت بعيدة المنال بالنسبة لمواطن مغربي بسيط يعاني القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمعرفي، إذ يشيع بأن الطلب الكبير متزايد بخصوص الحصول على سكن اجتماعي (شقة اقتصادية) تفتقد في الغالب لشروط الجودة في البناء ومعايير التعمير، بل أغلبها سلك مسلك المسطرة الاستثنائية في التعمير (ومن كثرة هذه الأخيرة بات الملاحظ للشأن التعميري يعتقد أن التعمير الاستثنائي هو القاعدة في المادة التعميرية) .. دون الحديث عن أهداف الألفية الإنمائية، وما انتهت إليه التوجهات التولية المرسومة في 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة 2015-2030.
واليوم نجد أن الملف المطروح للنقاش العمومي من جديد يتعلق بمسألة السكن، هذا النقاش الذي نورد بشأنه يجد مبرره في الطلب المتزايد على السكن الاجتماعي(الاقتصادي) من طرف الطبقات الشعبية والمهمشة (الفقراء ومتوسطي الدخل)، والتغيير الذي اقترحته الحكومة على “أساساه القانوني” المتمثل في قانون المالية، وآليات دعمه.
وعليه؛ نجد أن المقتضيات الحالية المتعلقة به والتي يتضمنها مشروع قانون المالية للسنة المالية 2023 (المادة 8 والمادة 19) تدفعنا إلى إبداء ما يلي:
1. هذا التعديل بالدرجة الأولى يجعل الحكومة تملص بطريقة فنية من المشكلة التي سيخلقها ارتفاع أسعار العقار المنتظر ابتداء من السنة المقبلة ..
2. يشكل ظاهريا استجابة لملاحظات المجلس الأعلى للحسابات (الواردة على الخصوص في التقارير السنوية والمتعلقة بميادين التعمير والسكنى وسياسة المدينة، والمؤسسات العمومية في هذا الميدان وكذا صندوق التضامن الخاص بالسكنى والاندماج الحضري منذ 2013) رغم السؤال لم هذا التأخر!!؟
3. هذا التعديل يشكل طريقة سلسة للاستجابة لضغوطات اللوبي الضخم في ميدان العقار
4. سيتيح للحكومة إخماد النقاش واحتواء الاحتجاج الشعبي بشأن غلاء العقار والتلاعبات عن طريق توجيه النقاش نحو الدعم المخصص للسكن الرئيسي .. والمطالب بخفض أثمنة العقارات المعدة للسكنى ..
5. التحكم في المطالب من “الحق في السكن بأثمنة في المتناول وخفض نسب الفائدة البنكية وقروض فوݣاريم” لينصب النقاش العمومي وحوار المجتمع المدني حول شروط الاستفادة المدرجة في المادة 8 من مشروع قانون المالية وتخمين مضامين النص التنظيمي المؤطر للاستفادة من دعم صندوق التضامن الذي سيخصص لدعم السكن وللسكنى والاندماج الحضري
6. تعديل المادة المقررة بموجب قانون المالية لسنة 2003 لتأكيد مضي الحكومة في إقرار هذا التغيير على مستوى هذا القطاع العريض بما يفيد الاستجابة للمنعشين العقاريين وإدخال المواطن البسيط في دوامة مفهوم “الاستفادة” وما يحمله من معان شعبية كما يقال : الطماع يقضي عليه الكذاب.
7. يبقى الرهان على هذا الصندوق الخصوصي الذي حقق انزلاقات أشار إليها تقرير المجلس الأعلى للحسابات وحدد نقط الضعف الهيكلية في تحقيق أهدافه .. رهان غير جدي .. فكيف سيتم تحقق هذا الهدف في ظل الضعف البنيوي العام الصناديق الخصوصية من جهة، وما يعرفه هذا الصندوق على الخصوص من جهة أخرى عند إضافة اختصاص “الدعم للسكن” الى مهامه الأصلية “التضامن للسكنى والاندماج الحضري” علما انه عرف تعديلا خلال العقد الأخير.
8. منطق التدبير بخلق الأزمات يتجدد حيث إن المشكلات القائمة في ظل الدعم المخصص في شكل إعفاءات ضريبية حاليا وما أنتج من مخالفات وطرق التلاعب .. سينضاف إليها ما سينتج عن المرحلة الانتقالية إثر ما يلحق النصوص التنظيمية من علل(ضعف الصناعة، تأخر الاصدار، تأخر التطبيق .. الإحالات ..) ثم ما يستتبع ذلك من عراقيل وظهور حيل النمط الجديد للدعم (الاستفادة) ..
9.أستبعد شخصيا أن تكون هذه مناورة للتحلل من إخفاقات الدولة في محاربة السكن العشوائي ودور الصفيح والدور الآيلة للسقوط .. الخ.
10. من ناحية مالية لم يتبين توجه الدولة بخصوص أشكال الدعم الموجهة لعموم المواطنين والمشتتة هنا وهناك بين قطاع وآخر .. فإذا كانت التقديرات الميزانياتية تتحمل او تستوعب كل هذا الضغط (نظام الراميد، دعم الارامل، دعم التمدرس، دعم البوطا، دعم الكازوال، السكن، الرياضة، الفلاحة .. إلخ ) أليس الأجدر التسريع بالورش الملكي للحماية الاجتماعية المتعلق بتفعيل السجل الاجتماعي الموحد.
11. تبقى مجموعة من الأسئلة معلقة بسبب تقييد التنفيذ بصدور نص تنظيمي: من قبيل من هي الفئات المعنية بالاستفادة، وما مآل الملفات الجارية، وأي نوع أو مستوى سكني (اجتماعي، متوسط أو عال الجودة) سيكون مقصودا باستفادة أصحابه؟ وما هي المعايير المعتمدة في الاستفادة ؟ وهل ستكون من مزايا هذه الاستفادة احترام بعض الشروط الاجتماعية والثقافية المغربية من قبيل: تحديد مساحة السكن حسب حجم الأسرة، واستفادة الشباب المتزوج حديثا، واستفادة فئة المتقاعدين، وفئة المعوزين، وماذا عن الأسرة المكونة من شخص واحد، والأمهات العازبات، وهل ستستفيد الطبقة المتوسطة ؟ ومحدودي الدخل؟ والأبناء اليتامى ؟ والمتخلى عندهم ؟ هل سيتم اعتماد التمييز الإيجابي في الاستفادة من الدعم لتشجيع الاستقرار بالمناطق غير المحورية (كهوامش الدار البيضاء والرباط، ومراكش ..)، وأي دور للسجل الاجتماعي الموحد في هذا التغيير ..
فالحاصل حسب تعبير تقرير النموذج التنموي ينبغي الكف عن “الحلول المسكنة” نحو اعتماد سياسات واضحة المعالم مبنية على التراكم والإنتاج الخالص لأفكار المغاربة خدمة لمكاسب مسلسل التنمية الذي يلتف حوله الجميع.

ختاما: المجتمع المدني .. ما دوره في هذا كله !؟
يشكل المجتمع المدني قوة دستورية، ومجتمعية للضغط والنشاط المدني فيما يخص الحقوق والحريات، ولذلك من اللازم اليوم أن تتبنى الجمعيات المهتمة بحقوق الانسان عموما، وتلك المتخصصة في ميدان السكن، واستثمار الشبكات (التشبيك) والتنسيقيات المدنية المدافعة عن الحق في السكن، -أن تتبنى- الحوار الحقيقي حول المقتضيات المستجدة في هذا الملف، مستندة إلى مقتضيات المواثيق الدولية، والتشريع الوطني المتعلقة بالحق في السكن، وفتح الحوار مع الفاعلين السياسيين على مستوى البرلمان لتصحيح المسار الذي نهجته الحكومة ليصب في مصلحة فئات المجتمع الهشة والمحتاجة للسكن الذي يلبي احتياجاتهم ويحفظ كرامتهم. وتحصين التنزيل السليم للتوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد الذي دعا إلى دعـم الإدماج والتمـازج الاجتماعيين فـي المـدن، خاصة مـن خـال إعـادة توجيـه سياسـة دعـم الولـوج إلـى السـكن. ويجـب أن تتمحـور هـذه السياسـة حـول منطـق المســاعدة المباشــرة للمواطنيــن علــى اقتنــاء الســكن، واختيــار نــوع الســكن الملائم لهــم، أكثــر منــه علــى سياسـة العـرض المرتكـز علـى مشـاريع السـكن الاجتماعي فـي ضواحـي المـدن، والتـي تفضـي إلـى ظهـور أحيـاء منعزلـة ومـدن منامـات. ويجـب أن تسـتجيب سياسـة الولـوج إلـى السـكن أيضـا لمتطلبات “إطـار العيش” الـذي يدعـو إليـه التصـور الجديـد للتخطيـط الحضـري، حتـى ال يقتصـر المجهـود علـى السـكن بـل يدمـج أيضـا مسـألة ولـوج الأسر ذات الدخـل المحـدود إلـى فضـاءات الئقـة للعيـش ومتصلـة بالشـبكات، مـع توفيـر خدمـات عموميـة للقـرب.

ياسين تمورت

باحث في السياسات العمومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *