مصادرة الآخر

البارحة، وأثناء تبادل أطراف الحديث خلال تناول وجبة الغداء مع زملاء العمل، إذ بفتاة جالسة أمامنا بدون حجاب، فإذا بأحد الأصدقاء يقول، بسخرية فجة وهو يمسك سيجارته ويتحدث لنا عن مغامراته النسائية، أن أباها ليس بمسلم!!
وجدت نفسي مذهولا من هذا التعبير القوي الذي يحمل في طياته جميع معاني الفقر المعرفي والاستعلاء الديني؛ حاولت مناقشته لمعرفة ما يدور في دواليب عقله وإذ بي أصطدم بحائط صنديد لا يعرف سوى هذا النعت المخزي، فقررت أن أغوص أكثر في نفسية هذا الصديق لفهم ما يجري في عقله وكيف أطلق هذا الوصف الذي انتزع به دين شخص كامل كأنه منزه عن المعاصي أو بائع صكوك الغفران.

في محاولة لفهم مبسط لهذا الموضوع، تجد مجموعة من النقاط اللافتة للنظر، أولها طريقة التربية التي تمنع أي مناقشة محتملة بموضوع يتعلق بالدين أو غيره، فأتذكر بحسرة كيف تمت عملية التربية المبنية أساسا على الأوامر ورفض أي نقاش أو سؤال سواء في المنزل أو المدرسة، فطوال العملية التعلمية، لا تعدو ان تكون مجرد وعاء يتم ملؤه وحشوه، وعندما تكبر لا تقوم بإفراغه، مما يفضي إلى نتيجة واحدة: شخص متعصب لأفكاره أو بالأحرى متعصب لأفكار الآخرين يستميت في الدفاع عنها كأنها حقائق مطلقة.

زد على ذلك المعوقات التواصلية التي يمتاز به أغلبنا وعلى رأسها عدم محاولة إعطاء أعذار للآخرين أو محاولة فهم دواخلهم، فنكتفي بإطلاق أحكام جاهزة في محاولة –ربما لأنفسنا أحيانا- لإثبات أن ما نقوم به أقل فداحة وأقل ضررا من الآخرين.

لست هنا بصدد إصدار أحكام شرعية بقدر ما أرفض تماما إطلاق وصف أو انتزاع شيء يخص صاحبه، وليس كل من يدعي التدين ويدعو إلى الفضيلة منزه عن الموبقات.

هذا النقاش الداخلي ومحاولة الفهم جعلاني مؤمنا أن هناك معركة معرفية يجب أن نخوضها أساسها رفض الوصاية والعمل على إرساء التعليم المبني على المشاركة والتواصل وتقبل الآخر، للارتقاء بإنسانيتنا إلى درجات أعلى.

مصادرة الآخر

إسماعيل الطوير

Je suis un cadre en Etat, j'aime l'écriture

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *