الموت ذلك الطيف الذي يعيش حولنا

  • غالبا ما نشعر أن الموت بعيد جدا عنا ونعيش والأماني تغمرنا من كل حدب وصوب، فلا يكاد يخلو يومنا من توقعات في ما قد نفعله غدا والأسبوع القادم والشهر القادم والسنة المقبلة، وكأننا على يقين تام أن الموت لن يباغتنا فجأة ليحملنا معه إلى مكان آخر..
    بل كم نتساءل في اليوم عن ما الذي قدمناه ونقدمه للقاء خالقنا؟ هل نقف وقفة حقيقية مع أنفسنا لنعيد ترتيب أولوياتنا وفي أي فلك يسير منحى حياتنا؟ أم أننا نعيش وحسب، نتسابق من اجل ألقاب وأموال وحياة زائفة تافهة لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فننسى مهمتنا الأهم ودورنا الأساسي الذي يتمحور حول عبادة الله عز وجل يقول تعالى –وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِسورةالذاريات الآية 56
    فعلا خلقنا لتسير كل أمور حياتنا تحت منهج واحد ومن أجل هدف واحد وهو عبادة الله تعالى في جميع مناحي حياتنا، فكم يا ترى نسال أنفسنا كيف عبدنا الله خلال يومنا كيف عبدناه من خلال تعاملاتنا وإحساننا في عملنا في أدائنا لفرائضنا وكم اجتهدنا في تجنب ما نهينا عنه؟..وفي المقابل كم نحاسب أنفسنا عن أمور دنيوية فانية زائلة بل ربما قد نصل أحيانا إلى جلد دواتنا لعدم حصولنا على أمر ما؟
    لكن نظرتنا هاته تتغير بطريقة جذرية عندما نشعر أن الموت قريب جدا منا، عندما يأخذ أعز شخص على قلبنا تتفتح بصيرتنا ونشعر حينها بتفاهة ما كنا نحارب من أجله وما كنا نحزن لأجله.. فتصبح أعظم أمانينا أن نصله بعملنا وأن نجتمع به في جنان الخلد بعد رحيلنا.. ندرك وكأننا نقرأها لأول مرة أن الحياة حقا لعب ولهو وزينة وتفاخر.. وأن الحقيقة المطلقة هي ما ينتظرنا بعدها وما قدمناه ومازلنا نقدمه في امتحاننا الدنيوي…
    فالموت هو أكثر لغز محير في الحياة هو نهاية حياة مزيفة وبداية أخرى أبدية، قد يكون الموت هو ولادتنا الحقيقية مادام ما ينتظرنا بعده هو الأبد ...
    كلنا تجرعنا مرارة الموت والفقد إن لم يكن عدة مرات فقد كانت مرة واحدة على الأقل، وكلما كبرنا كلما كانت وطأة الموت ثقيلة على قلوبنا نظرا لمخزون الذكريات التي جمعناها ورصعناها واحتفظنا بها في أعماقنا، لكننا لو نقنع أنفسنا أننا كمن يجلس في قاعة انتظار يحمل رقمه وينتظر متى يحين دوره ليلتحق بمن فقدهم، ربما لما شعرنا بكل ذلك الألم وكل تلك المعاناة…
    تساؤلات كثيرة قد تحضرنا عندما يكون من فقدناه أعز إنسان على قلبنا، نرغب بشدة بمعرفة مصيره تصبح أعظم أمانينا أن نراه في أحلامنا، أن نسمع صوته وهو يكلمنا ولو كان حلما فقط، لنطمئن أن كل ما عشناه كان واقعا..
  • لكن على الرغم من صعوبة التجربة وقسوة الفراق وألمه، إلا أن الموت يعلمنا ما لا يستطع أي احد أن يعلمنا إياه فرحيل أبي علمني معنى أن تكون ذا أثر طيب في الحياة، أن تجعل كل من عرفك يشهد لك بالخير والفضل، علمني معنى أن تكون ذا قلب سليم لا يؤذي أحدا وأن عمل الخير سرا في حياتك هو وحده ما يتحدث عنك بعد موتك، علمني أن أعظم ما قد نتركه خلفنا هو سيرتنا الحسنة ودعوات بالرحمة والمغفرة لنا …علمني أن الموت لا يفرقنا أبدا عن أحبابنا لأنهم يستمرون بالعيش في أعماقنا وفي قلوبنا، علمني فضل التشبث بالله ومعنى عمارة الأرض، علمني أن أعاود الوقوف على قدماي رغم صعوبة الأمر، علمني معنى الصبر وأن مع العسر يسرا لامحالة، وان هذه ليست نهاية الطريق بل البداية، بداية مهمة أسمى وأعظم وهي أن نكون ذرية صالحة تصل والدها بالدعاء وفعل الخير...
    علمني أن موت الأب هو أعظم درس وأشد ابتلاء.

هدى البصري

تكويني الاكاديمي علمي لكن اهتماماتي ادبية القراءة شغفي و الكتابة نبضي .اهوى الادب بكل فروعه و اعشق الموسيقى و ارى الجمال في التفاصيل البسيطة من حولي و اجد في العزلة متسعا للتعرف على مكنوناتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *