من قلبي سلام لبيروت

بيروت مُنبعِثةً من تحت أنقاضها


أكتبُ لإخماد نار غضبي وأصد بحر دموعي. قلبي ينزف من أجلكِ يا بيروت رأيت الموت في عيوني، حيث إنني أسكن في حي “مار مخايل” النقطة الأقرب إلى المرفأ. ضغطُ الهواء أسقطني أرضاً، الزجاج تكسّر برُمته فوق رأسنا، بيتي أصبح ركاماً.

بيروت المدينة التي عرفت بـ”سويسرا الشرق” ولؤلؤته، لوحة فريدة من الجمال الطبيعي اصبحت مخضبة بلون الدماء، والدمارُ يعمّ أرجاءَها. بيروت، هذه المدينة الصغيرة، بات الموت يحيط أزقتها، فالناس هنا تحيا بالصدفة.

بيوتٌ تحطمت، أناسٌ تشرّدَتْ وعادوا إلى نقطة الصفر، بلا مأوى، بلا أمتعة. فقدنا أغلى ما لدينا في لمح البصر.
الصدمة تسيطر علينا من هول “المجزرة” التي تركها الانفجار المروع الذي دمر مرفأ المدينة عند الساعة السادسة وسبع دقائق بعد زوال يوم الثلاثاء رابع آب/أغسطس .. تاريخ أسود مشؤوم لن يُمحى من ذاكرتي أبداً، راح ضحيتها أكثر من 6000 شخص بين شهيد، جريح ومفقود، بينهم نساء وأطفال ورُضّع، خراب ودمار منظر دماء في كل مكان..

شاحبةٌ الآن الحياة في أعيُننا ويعتصر قلبنا ألماً، ترتجف أصواتنا فزعا وتفيض مدامعنا أسىً، نتوقف عن التنفس حتى نكاد نختنق، تتوقف عجلة الحياة عن الدوران للحظات من هول الصفعة التي لا يمكن أن نستوعبها، فالأرض لا تسع حزننا وخيباتنا؛ فهل كُتب على بيروت الجميلة أن تدفع ثمن حُسنِها ؟

بيروت تلك المدينة التي تغنّى بها أعظم الشعراء و منهم نزار قباني فقد وصفَها بـ”سِتّ الدنيا” وغنّت لها الأيقونة ذات الصوت الملائكي فيروزمِنْ قلبي سلامٌ لبيروت .. وقُبَلٌ للبحر والبيوت …”
إلا أنه رغم قلة الفرح رغم كثرة الوجع لن نَقبل الاستسلام، لقد قدَّم شعب لبنان بُرهاناً حيّاً على طبيعة النفس البشرية التي لا تُقهر وهي تكافح بعزيمة لا تلين يداً بِيَدٍ للعيش بصورة طبيعية في مواجهة هذه الكارثة، وبالرغم أن الوضع الراهن صعبٌ جدا، ولا يمكن التعويل على صموده.

لكنني أعود لأقول إن هنالك بصيصَ أمل وسط كل هذا الركام، ووعْدٌ عليْنا يا بيروت إننا رغم هذه المآسي التي أثقلت أرواحنا سنقف على أقدامنا من جديد ولو أرهقتنا الأحداث والأيام، فلن نفقد صبرنا وثقتنا بالعدالة الإلهية، سنكافح ونتحدى كلّ هذه البشاعة.. هكذا هي حال الدنيا، دولابٌ ضخم يدور، دورٌ للأفراح وآخر للأتراح.. إلّا أنني رغم كل شيء أشكرُ الله لأنه أعطانا نعمة الصبر ليمدّ أرواحنا الحزينة به، أشكر الله الذي يكسبنا القوة لنحيا و نُجاري الأيام بعد هذا الكسر ألاليم للنفس و الروح..

أخيـرًا ورغم هذه الكارثة، وهوْل هذه المأساة؛ أودّ أن أقول لكل شخص بدأ اليأس يتسلّل إلى قلبه تمسّك بنفسك وكأنّك تنقذها من حافة جبل كان على وشك الانهيار، اصنعْ بعزمك وإصرارك قوة تعينك.. أنت أعظم مِن أنْ تستسلم.. أنت أعظم من أنْ تفقد الحياة وقلبك لا يزالُ ينبض.
بيروت لن تموت، بيروت ستنهض من تحت أنقاضها لأن الدماء التي رَوَتْ هذه الأرض هي دماء القيامة.. نعم ستنهض، بعزيمة أهلها وستغدو أصلبَ عوداً، وأقوى من ذي قبل..

ابتسام عطاالله الرمحين

من قلبي سلام لبيروت

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *