المقاومة الريفية في الكتابات التاريخية

نماذج مختارة

شهد العالم المتوسطي خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تحركات سياسية وعسكرية كثيفة بالمقارنة مع القرون السابقة. إذ احتد التنافس بين القوى الاستعمارية الكلاسيكية على المغرب، ولا سيما بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا. هذا الصراع الذي انتهى بانفراد فرنسا باستعمار المغرب، مع ترك شريط ساحلي في شمال المغرب لإسبانيا بإيعاز من بريطانيا. هذا الشريط الساحلي سيثير الكثير من الحبر في الصحف الأوروبية في الفترة الممتدة من 1921 إلى 1926، نظرا للمقاومة التي واجه بها السكان المحليون الاستعمارين الإسباني والفرنسي خلال الفترة المشار إليها. صحيح أنها هذه المقاومة انتهت سنة 1926 بعد استسلام الخطابي، لكن أثرها ظل مستمراً في حوض المتوسط طيلة القرن الماضي وبداية القرن الحالي. ومن مظاهر هذا الأثر، الإقبال المكثف على دراسة تاريخ المقاومة الريفية من طرف الباحثين والمؤرخين على وجه التخصيص.

يلاحظ أن الاهتمام بهذه المقاومة ليس حكراً على جنسية دون أخرى في المتوسط، إذ توجد كتابات فرنسية وإسبانية وألمانية…إلخ. ونظرا لهذا الإقبال المكثف على دراسة تاريخ المقاومة الريفية، يروم هذ البحث إلى المقارنة بين كتابات تنتمي إلى دول مختلفة وذلك عبر نماذج محددة لتجنب التشعب الذي يفرضه طبيعة الموضوع، فسندرس الكتابة التاريخية من خلال النموذج الإسباني أولا عبر كتاب “محمد بن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال” لماريا روسا ذي مادارياكا، من ثم النموذج الإنجليزي من خلال كتاب “العناق المميت من حرب الريف إلى الحرب الأهلية الإسبانية” لمؤلفه سيباستيان بلفور، وأخيرا الكتابات المغربية من خلال كتاب “عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال 1921-1926 حفريات نقدية في خطاب الجمهورية الريفية” للباحث محمد أونيا. ومداخل دراسة هذه الكتابات متعددة ومتنوعة، لكننا سنركز أساسا على مدخل الكتابة التاريخية، وعليه نتساءل: كيف عرفت هذه الكتابات قادة حرب الريف؟ والموضوعات التي أثاروها؟ وفي الختام ما طبيعة المصادر التي اعتمدوها؟

القادة في الكتابات التاريخية

سنتطرق في هذا المحور إلى قادة حرب الريف التحريرية من خلال الكتابات الثلاث، وسنظهر كيفية تناول كل كتاب لكل من محمد بن عبد الكريم الخطابي كونه قائد المجاهدين ضد المستعمر الإسباني، ومن ثم سيلفيستري قائد الجيش الإسباني.

أ‌- محمد بن عبد الكريم الخطابي

سنبدأ بشخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي من خلال المؤرخ الإنجليزي سيبستيان بلفور في كتابه “العناق المميت من حرب الريف إلى الحر الأهلية الاسبانية”، فنجد أن بلفور لم يعرف بشخصية عبد الكريم اخطابي، لكن قام بالإشارة إلى علاقته مع الاسبان خلال مرحلة سبقت حرب الريف التحريرية التي انطلقت سنة 1921. فنجد أنه يشير أن علاقة الصراع التي جمعت محمد بن عبد الكريم الخطابي بالإسبان تعود لسنة 1915، حين تم استجوابه من طرف رئيس الشؤون الأهلية، حيث صرح له محمد ابن عبد الكريم الخطابي أنه يكره الفرنسيين وأنه يريد استقلال الريف كما صرح بضعف إسبانية في الساحة العسكرية للدول الاستعمارية مما أدى به إلى السجن في نفس السنة، كما يشير إلى محاولة محمد بن عبد الكريم الفرار من السجن والذي عرض حياته للخطر بسبب سقوطه خلال قفزه من السور مما ترك عنده إعاقة في رجله حيث قال ” ظل يعرج طول حياته”.

محمد-بن-عبد-الكريم-الخطابي
محمد بن عبد الكريم الخطابي

كما أشار أن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان يريد من إسبانيا أن تقوم بتحديث المجتمع الريفي المتخلف من دون أن تضطر إلى التدخل العسكري المباشر، لكن مع رغبة إسبانيا في الاستعمار العسكري لمنطقة الريف، قام محمد بن عبد الكريم الخطابي بحشد القوات للتصدي للتغلغل الاسباني في الريف؛ ولكن أشار أن ابن عبد الكريم ورغم حشده للقوات ضد الإسبان إلا أنه بقي يتواصل مع أصدقائه الإسبان مؤكدا على ولائه لإسبانيا، ويظهر ذلك جليا من خلال دعوته إلى العمل المشترك بين الإسبان والريفين خاصة أن الإسبان يستغلون مناجم المعادن بالريف وذلك في محاولة منه لاستقطاب الرأسمال الإسباني إلى الريف. كما أشار إلى انقطاع العلاقة بين ابن عبد الكريم الخطابي والإسبان بعد أن قام سلفيستري بتجاوز نهر كرت في أواسط 1920. ليستطرد بلفور في ما تبقى من الفصل الخاص بحرب الريف بالمعارك التي خاضها ابن عبد الكريم الخطابي ضد الإسبان ابتداء من 17 يوليوز سنة 1921م إلى غاية سنة 1926م تاريخ سقوط المقاومة الريفية.

أما المؤرخة الإسبانية ماريا روسا ذي مادارياكا، فتطرقت في كتابها “محمد ابن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال” إلى تعريف شخصية محمد ابن عبد الكريم الخطابي من خلال وثائقه الموجودة بالأرشيف العسكري العام في مدريد (AGMM)، وتذكر أنه هو من مواليد أجدير بقبيلة أيث ورياغل سنة 1882، في وسط عائلي اعتبرتها المؤرخة الإسبانية عائلة مثقفة، حيث كان عبد الكريم الخطابي الأب قد درس قواعد اللغة والفقه وعلم أصول الفلسفة، وهذه المكاسب خولت له اكتساب درجة فقيه، وهذا جعله يكتسي مكانة ونفوذ في المجتمع الريفي، وتشير ماريا روسا ذي مادارياكا أن محمد بن عبد الكريم تأثر من هذا الوسط الثقافي مما جعله يتلقى منذ صباه معارف في مختلف فروع المعرفة التي اكتسبها من والده، وانتقل بعد ذلك للدراسة بفاس حيث التحق بجامع الأخويين سنة 1902. وأشارت كذلك إلى أن عبد الكريم الخطابي اشتغل في البداية كأستاذ مساعد بالمدرسة الخاصة بأبناء الأهالي بمدينة مليلية، وتختتم المؤرخة الاسبانية تعريف بشخصية محمد ابن عبد الكريم بالإشارة لمزاولته الصحافة بكتابته لمقالات في إحدى الجرائد الإسبانية، وكذلك تقلده مهمة قاضي على قبيلته في أيث ورياغل.

ونختتم هذه المحور بالتطرق لكتاب “عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال 1921-1926 حفريات نقدية في خطاب الجمهورية الريفية” للباحث المغربي محمد أونيا، فهو لم يتحدث عن شخصية عبد لكريم الخطابي وتعريفها، حيث تعامل معها كشخصية معروفة ولا تحتاج للتعريف بها. لكن في نفس الوقت هناك كتابات مغربية أخرى تطرقت لتعريف شخصية محمد ابن عبد الكريم الخطابي، وكمثال على ذلك نجد المؤرخ المغربي جرمان عياش في كتابه “أصول حرب الريف” الذي ترجمه كل من محمد الأمين البزاز، وعبد العزيز التمسماني خلوق، قد خصص فصل كامل لحياة محمد ابن عبد الكريم الخطابي، وعنونه ب “القاضي عبد الكريم ووالده محمد”، حيث تطرق إلى ولادته ومنشأه في بلدة أجدير بأيث ورياغل ودراسته الأولية في نفس القبيلة، من ثم تطرق إلى انتقاله إلى مدينة فاس لمتابعة دراسته للغة العربية والإسلامية بجامع القرويين. لينتقل إلى الإشارة إلى انتقاله إلى مدينة مليلية للاشتغال في مدرسة خاصة بأبناء المغاربة الذين يقطنون في المدينة، وكذلك اشتغاله بالصحافة فور وصوله لمليلية، حيث خصص له الصفحة الأولى من جريدة تدعى “تلغراف الريف”. واختتم جرمان عياش هذا الفصل بتطرق إلى الحياة الكفاحية لمحمد ابن عبد الكريم الخطابي والتي بدأت منذ سنة 1921 وانتهت بسقوطه ونفيه سنة 1926.

ب‌- سيلفيستري

بعد تعريفنا لمحمد ابن عبد الكريم الخطابي من خلال الكتابات الثلاث باعتباره قائد الجيش الريفي خلال المقاومة العسكرية، سنتطرق إلى التعريف بقائد الجيش الاسباني منويل فيرنانديث سيلفيستري، وسنبدأ بكتاب سباستيان بلفور، حيث يلقب هذ الأخير قائد الجيش الاسباني بالريح الهوجاء، حيث يصفه بكونه بالحازم والشجاع والطيف والسخي، وفي نفس الوقت متسلط حتى النخاع، كما يشير بلفور إلى أن سيلفيستري كان يتمتع بنمط حياة حسي نموذج ربلي، حيث يميل إلى الإفراط في الأشياء، بحيث كان يقضي كل الليل في السكر والعربدة في المواخير. كما أشار إلى أن الرجل كان رافضا لسياسة إسبانيا الاستعمارية والتي ترى أن مستقبل وأمن إسبانيا توجد في ما وراء جبل طارق، حيث يرى أن المستقبل هو أن تهتم إسبانيا ببناء سياستها الداخلية انطلاقا من نمو الزراعي والتقدم الصناعي والثقافي …، عوض الهجوم واحتلال أرض جدباء يقطنها همج متشردون يتسلحون ببنادق ماوزر، ويرى أن هذا يضر إسبانيا أكثر مما يخدها.
أما فيما يخص تعريف ماريا روسا ذي ماداريكا فلم تشر بوضوح لشخصية سيلفيستري، حيث أوردت تعريف قصير في نهاية الكاتب، وكتب أنه عسكري برتبة جنرال وقائد عام لمليلية منذ سنة 1920 إلى حدود وفاته في أنوال سنة 1921. كما أشارت في محتوى الكتاب في سياق عام أنه كان شخصية ذكية جدا، حيث دائما ما كان يقدم النصائح الوجيهة حول كيفية التصرف في مناسبات محددة صعبة، رغم أن نصائحه لا تلقى إقبال قادة إسبانيا إلا بعد فوات الأوان.

ويرجع عدم تعريف المؤرخة الإسبانية لشخصية سيلفيستري بشكل مطول، لكون هذا الأخير حضر فقط في مرحلة الأولى في مسار محمد ابن عبد الكريم الخطابي الكفاحي. فما نجد مؤرخ إسباني أخر تحدث عن سيلفيستري، فالمؤرخ خوان باندو في كتابه “التاريخ السري لحرب الريف (المغرب.. الحلم المزعج)” قد تحدث مطولا عن سيلفيستري من خلال فصل في كتابه عنونه ب”شتات بأنوال وحقيبة سيلفيستري”، خاصة خلال معركة أنوال، حيث أشار إلى الأيام الأخيرة من حياة الجنرال سيلفيستري بعد أن هاجم الريفيين موقعة أنوال، حيث صورة تلك اللحظات الأخيرة بقوله “سرت بين الجند إشاعات تفيد أن الجنرال يبحث عن مسدسه..، وعرف أنه سيلفيستري لكونه نادرا ما كان يحمل السلاح. كما ذكر أنه أرسل أخر برقية له يخبر بها المقيم العام الإسباني أنداك يخبره بالانسحاب من موقعة أنوال والاتجاه نحو ابن طيب رغم رفض عذا الأخير، حيث أمر الجيش بالفرار والسماح في الأمتعة والنجاة بأنفسهم، لكن كان رأي القائد يسمى ساينث مغاير فأخذ معه فحمل الأمتعة في السيارات وعلى ظهور الجنود، مما أدى إلى فضح عملية الهروب وتنهال عليهم خراطيش الريفين. لينهي حديثه عن سيلفسيتري بوفاته، حيث يقول عن وفاته “كانت نهاية رجل يائس تلمس في الظلام طريق الهدى والنجاة، نهاية جنرال أرهقه القلق والشعور بالذنب، نهاية رجل حرب كان كل همه هو إنقاذ شرف الجيش،… إنها نهاية قائد شجاع أبى أن يطأطئ رأسه”.

مانويل-فيرنانديز-سيلفيستري
مانويل فيرنانديز سيلفيستري

أما في ما يخص كتاب محمد أونيا فلم يتطرق لشخصية سيلفيستري، لكونه تطرق لموضوع حرب ريف من زاوية مختلفة عن غيرها من الكتابات الأخرى، لكن هناك من الكتابات المغربية التي تحدثت عن شخصية سيلفيستري، ونشير هنا للمؤرخة المغربية زاكية داود، في كتابها “عبد الكريم ملحمة الذهب والدم”، حيث بدأت عن سيلفيستري منذ توليه منصب مقيم بمليلية سنة 1920، وأشارت إلى علاقته مع الملك بقولها “كان سيلفيستري بنبرته العالية وشاربه الكث، أحد ندماء ألفونسو الثالث عشر …، كان مرحا، ذلق اللسان ومثار إعجاب سيدات البلاط، لكن كان مندفعا طائشا ملؤه التعجرف والاستخفاف”. وطبعه هذا جعله يحتقر الريفين بنعتهم بعصابات ذوي الثياب الرثة، كما أن علقته بالملك جعلته متعجرف في اتخاذ القرارات دون العودة إلى استشارة القادة الأخرين. وتنهي زاكية داوود حديثها عن سيلفيستري بالتطرق إلى موته، حيث أشارت أنه وجدت جثته قرب سيارة بابها مفتوح على بضع كيلومترات من أنوال، وأشارت زاكية إلى اختلاف الروايات حول موت سيلفيستري، بين القائل أنه أنتحر بعد أن سلم أوسمته وشعاراته ووثائقه لضابط كان يرافقه، فيما ذهبت الروايا الأخر إلى القول أنه قتل وهو كان يتأهب لركوب السيارة.

موضوعات التأريخ

سنتطرق في هذا المحور إلى الموضوعات التي أرخ لها المؤرخون في كتاباتهم السالفة الذكر، والبداية بكتاب المؤرخ الإنجليزي سيبستيان بلفور، حيث تناول حرب الريف من خلال ثلاث أبواب رئيسية. ففي الباب الأول المعنون ب”الحرب الاستعمارية الاسبانية، تناول مراحل الغزو الإسباني للريف منذ بداية القرن العشرين والمعارك التي جرت آنداك سواء في الريف ضد محمد أمزيان أو في جبالة مع الريسوني، ثم تطرق إلى الحرب ضد عبد الكريم الخطابي خلال عشرينيات القرن الماضي، وانهى هذا الباب بموضوع إعادة تشكيل الجيش الاسباني بعد الهزيمة التي تلقوها في معركة أنوال.
أما الباب الثاني فعنونه ب”وحشية الحرب الاستعمارية”، حيث ركز في هذا الباب على استعمال الجيش الاسباني لمادة كيماوية في الحرب والتي عرفت بالحرب الكيماوية ضد الريف، كما تطرق إلى حالة الفساد التي كان يعيشوها الجيش الاسباني خاصة بعد تغلبهم على مقاومة محمد ابن عبد الكريم الخطابي. أما الباب الثالث والأخير من الكتاب فعنونه ب”الجيش الاستعماري من -الجمهورية- إلى الانقلاب العسكري” وهنا تطرق صاحب الكتاب إلى تحويل النظام في إسبانيا من نظام ملكي إلى نظام جمهوري ابتدائها من سنة 1931، واختتمه بمساهمة الجيش الاستعماري في الحرب الأهلية سنة 1939.

أما المؤرخة الاسبانية ماريا رويا ذي مادارياكا، فتناول موضوع كفاح عبد الكريم الخطابي من خلال أولا التدخل الاسباني في الريف وموقف أسرة عبد الكريم الخطابي من التدخل الأوروبي في المغرب باعتبار أن أسرة عبد الكريم الخطابي كان تجمعها علاقة متميز مع اسبانيا، حيث أوردت الكاتبة محور كاملا حول علاقة اسبانيا بأسرة الخطابي، ومحاولة هذه الأخيرة الاستفادة من التقدم الأوروبي من خلال علاقتها مع اسبانيا، من ثم تطرقت الى المواجهة العسكرية بين الريفيين والاسبان سواء ضد جيش عبد الكريم الخطابي وحتى بعد نفي هذا الأخير استمرت المواجهات بين الطرفين.
كما تطرقت إلى امتداد صراع ابن عبد الكريم الخطابي إلى مواجهة فرنسا سنة 1925م، والتحالف الاسباني والفرنسي ضده، ومرحلة المراسلات عبد الكريم والاسبان والفرنسين لإنهاء الحرب واستسلام محمد ابن عبد الكريم الخطابي، واختتمت كتابها بالتطرق إلى حاشية عبد الكريم الخطابي وإلى تحويله الريف من قبيلة إلى دولة والإصلاحات التي قام بها خلال مرحلة المقاومة. من ثم انتهت بإلقاء نظرة عن أصداء عبد الكريم الخطابي على المستوى الدولي، ووضعية محمد عبد الكريم الخطابي في منهاه وطلبه اللجوء إلى مصر، ومعاودة المقاومة مرة ثانية حيث أسس لجنة تحرير المغرب العربي.

ونختم هذا المحور بالتطرق إلى الموضوعات التي أرخ لها المؤرخ المغربي في كتابه السالف الذكر، حيث تناول موضوع جمهورية الريف، من خلال نشأتها والخطاب الذي جاءت به والغاية التي جاءت من أجلها، كما تطرق إلى أصداء المقاومة الريفية بين دول المشرق والمغرب، ووجهة نظر رموز الحركة الوطنية في المقاومة الريفية، وكذلك تطرق إلى بحث محمد ابن عبد الكريم الخطابي عن الشرعية الدولية بالاعتراف بالجمهورية الريفية. ثم إلى مسألة شرعية امارة الريف من خلال المرجعة الإسلامية، من بيعة عبد الكريم الخطابي، واعتراف الضمني الاسرى بحكومة الريف، وتناول أيضا علاقة الخطابي بالمخزن، حيث تم تأويل تأسيس الجمهورية بمحاولته لكي يصبح سلطانا. واختتم كتابه بالحديث عن مطالب الجمهورية الريفية بين القائل بالمطالبة بالاستقلال، والآخر القائل المطالبة بالحكم الذاتي.

المقاومة-الريفية-1
صورة لبعض المقاومين الريفيين

ختاما لما سبق، يتضح أن تناول موضوع المقاومة الريفية من خلال نماذج مختلفة من الكتابات التاريخية، يحظى بأهمية كبيرة، فالنظر إلى هذا الموضوع من زوايا مختلفة، يثمن البحث في موضوع حرب الريف ويغنيه، لأنه يقدم تصورات ووجهات نظر مختلفة، تؤدي إلى التكامل في الدراسة، وتجعل وجهة النظر واسعة وتستوعب جل القضايا المرتبطة بالمقاومة الريفية. ولعل أهم ما يؤكد هذا، أن هذه الكتابات اعتمدت على مصادر مختلفة، وهذا الأساس، لأن تعدد المصادر فعلياً يؤدي إلى مراجعة الأحداث، مراجعة شاملة تجعل من البحث التاريخي عملية مركبة تعالج قضية واحدة أو قضايا مختلفة من خلال مصادر متنوعة. والاعتماد على المصادر المختلفة، هو ما يؤدي إلى تناول مواضيع محددة، فمن خلال النماذج التي توقفنا عندنا أعلاه، يتضح أن المصادر المعتمدة هي التي تؤثر في طبيعة الموضوعات التي يعالجها المؤرخين، وهذا بديهي، لأن المؤرخ يصوغ بحثه انطلاقا من المدونة المصدرية التي يعتمدها، لذلك كانت الأعمال التي اعتمدت على مصادر مختلفة، ثمينة وغنية من ناحية الموضوعات.

مصادر التأريخ

لكوننا نشتغل على ثلاث كتابات تاريخية حول موضوع التأريخ لحرب الريف من خلال ثلاث مدارس تاريخية مختلفة كما ذكرنا سالفا، فإننا سنتطرق في هذا المحور إلى المصادر التي اعتمدها المؤرخين الثلاث في تأريخهم لحرب الريف، ونبدأ بدراسة بيبليوغرافيا كتاب “العناق المميت من حرب الريف إلى الحرب الأهلية الإسبانية” لمؤلفه سيباستيان بلفور، والذي بالعودة إلى قائمة مصادره نجد قد أرخ لحرب الريف التحريرية على مادة مصدرية أجنبية، والتي صنفها على الشكل التالي:
• المصادر غير المنشورة: والتي تضم كل من الأرشيفات العمومية الرسمة، وأغلبها باللغة الإسبانية واللغة الفرنسية، ونذكر منها مثلا « ARCHIVE DE NANTES » « ARCHIVE DE HISTORICO » DEL AIRE MADRID » وغيرها من الأرشيفات الموجودة في المكتبات ودور الوثائق في فرنسا وإسبانيا. ونجد في هذا الصنف من المصادر الأرشيفات الشخصية، ومنها « ARCHIVE DIEGO HIDALGO » « ARCHIVE JOSE ENRIQUE ». إلخ.
• المنشورات الرسمية منها « ACCION DE EN AFRICA, 3 VOLS. (MADRID MINISTERIO DEL EJERCITO 1941 » إلخ.
• وثائق ومذكرات ويوميات وخطب وأعمال أخرى على كثرتها، منها « MEMORIAL D GUERRA ; ESPANA ; NOS. 378-86 ; 1923 » إلخ.
• الصحف والدوريات وكلها باللغات الأجنبية، مثل « BULLETIN D’HISTOIRE CONTEMPORAINE DE L’Espagne ». إلخ.
كما صنف مجموعة من أخرى من المصادر واعتبرها ثانوية، وتضم الكتب والأطروحات غير منشورة ومخطوطات غير محققة وأخيرا اعتمد عدة مقالات اهتمت بهذا الموضوع وهي الأخرى باللغات الأجنبية. كما اعتمد على الرواية الشفاهية في بعض الشهادات رغم أنه لم يوردها في بيبليوغرافية المصادر إلا أنه يشير إليها في الهوامش.
أما الكتاب الثاني فهو “محمد بن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال” لماريا روسا ذي مادارياكا، قامت بالاعتماد على مختلف الكتابات التي أرخت لحرب الريف سواء كانت بالإنجليزية والفرنسية والاسبانية وكذلك باللغة العربية، وصنفت قائمة مصادرها على الشكل الأتي:
• المصادر الرئيسية في شكل مخطوطات، منها الأرشيف العام العسكري لسيكوبيا (AGMS) وأرشيف وزارة الشؤون الخارجية البريطانية لندن (F. O.). إلخ.
• المصادر الرئيسية المنشورة، ومنها « EXPEDIENTE PICASSO, MADRID 1931 » إلخ.
• المصادر الثانوية، « ALACRORON PEDRO, DIARIO DE UN TESTIGO DE LA GUERRA DE
AFRICA » إلخ.
• المصادر العربية، ونذكر منها كتاب لجلال يحيى، عبد الكريم الخطابي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1968. وكذلك كتاب علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، تطوان، دون تاريخ، لجنة الثقافة الوطنية لحزب الاستقلال، الرسالة، القاهرة. إلخ.
ونختتم هذا الفصل بالكتاب الثالث كتاب “عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال 1921-1926 حفريات نقدية في خطاب الجمهورية الريفية” للباحث محمد أونيا، وهو يمثل النموذج المغربي في هذه السلسة من الكتب. واعتمد الباحث في كتابه هذا على مادة مصدرية متنوعة بين اللغة العربية باعتبارها اللغة المحلية، واللغات الأجنبية، وقد صنف بيبليوغرافيا الخاص به على الشكل الأتي:
• المصادر والمراجع العربية، ونذكر منها على سبيل الاستئناس إبراهيم شحاتة حسن، نصوص ووثائق في تاريخ المغرب تحت حكم “الحماية”، مكتبة الإسكندرية. والحاج العربي الورياشي، الكشف والبيان عن سيرة بطل الريف الأول سيدي محمد أمزيان وأخبار مقاومته وإخوانه الريفيين لأبي حمارة ثم الاسبان. مطبعة المهدية، تطوان، الطبعة الأولى 1976، كذلك القاضي أحمد سكيرج، الظل الوريف في محاربة الريف، دراسة وتحقيق ذ. رشيد يشوتي، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 2010. إلخ.
• الصحافة العربية، ومنها جريدة الأخبار (المغرب) ملف بعنوان: “جمهورية الريف حقيقة أم وهم؟” العدد 1392، السبت-الأحد، 27-28 ماي 2017. وجريدة الشورى (مصر) العدد 40 الخميس 9 محرم 1344هـ. الموافق 30 يوليوز 1925. إلخ.
• المصادر والمراجع الأجنبية، ونذكر منها، « DAVID MONTGOMERY HART, DE RIPUBLIK A REPUBLIQUE LES INSTITUTIONS SOSIO-POLITIQUE RIFAINES ET LES REFORMES D’ABD EL-KAREIM, PARIS 1976. » و « DIRK SASSE, FRANZOSEN, BRITEN UND DEUTSCHE IM RIFKRIEG 1921-1926, R. OLDENBOURG VERLAG MUNCHEN ; 2006. إلخ.
• الصحافة الأجنبية، منها « ANNALES AFRICAINES ET LE TURCO, REVUE POLITIGUE ET LITTERAIRE DE L’AFRIQUE DU NORD. N°19, 7 MAIS 1926. » و « EL IMPARCIAL, JUEVES 13 DE AGOSTO DE 1925. P.1 » . إلخ.
ومنها الألمانية والإسبانية والعربية، وهذا التنوع يساهم في إغناء المادة التاريخية

بيبليوغرافيا

 جرمان عياش، أصول حرب الريف، ترجمه محمد الأمين البزاز، وعبد العزيز التمسماني خلوق، منشورات مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
 خوان باندو، التاريخ السري لحرب الريف (المغرب.. الحلم المزعج)، ترجمة سناء الشعيري، منشورات الزمن، الطبعة الثانية 2013.
 زاكية داوود، عبد الكريم ملحمة الذهب والدم”، ترجمة محمد الشركي، منشورات وزارة الثقافة، مطبعة دار المناهل 2007.
 سيباستيان بلفور، “العناق المميت من حرب الريف إلى الحرب الأهلية الإسبانية”، ترجمة عبد المجيد عزوزي، منشورات تيفراز 2016،
 ماريا روسا ذي مادارياكا، فتطرقت في كتابها “محمد ابن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال” ترجمة عبد المجيد عزوزي وعبد الحميد الرايس، منشورات تيفراز، الطبعة الأولى.
 محمد أونيا، عبد الكريم الخطابي وأسطورة الانفصال (1921-1926) حفريات نقدية في خطاب الجمهورية الريفية، منشورات مطبعة الخليج العربي-تطوان-المغرب، الطبعة الأولى 2018.

المقاومة الريفية في الكتابات التاريخية

عماد تبهوت

باحث في التاريخ، حاصل على شهادة الاجازة في التاريخ من جامعة مولاي اسماعيل بمكناس بالمغرب، وحاصل على ماجستير في التاريخ من معهد الدوحة للدراسات العليا بقطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *