هل تعلم أيها القارئ الحبيب أن الكثير من الشباب والشيوخ من بني جلدتنا لا يعلمون بوجود تعليم غير التعليم العمومي والأصيل ، بل ربما قد ينكر عليك أحدهم إن أخبرته بوجود تعليم آخر غير هذين التعليمين ، فلا يعلم غالب الشباب بوجوده إلا حين يصلون لمرحة التعليم العالي ؛ حيث يختلط طلبة كل الشعب أو جلها ، فيلاحظ الأستاذ فئة مجتهدة من الطلبة فيسألهم في أي مؤسسة درستم ؟ فما أن يجيبوا بأنهم خريجو التعليم العتيق حتى تُصيب الدهشة غالب التلاميذ ؛ فيقبلون عليهم سائلين مستفسرين عن خصائص هذا التعليم ومميزاته ، فيجدون أنفسهم بأصله جاهلون ؟ ولربما وُجدت مدارس عتيقة ٌ في مدينتهم وهم لا يَدْرون أنها هي من أخرجت هاته النخبة الفاضلة من الطلبة ، فالكثير من شبابنا يحبون هذا التعليم حينها ويتمنوا لو أتموا دراستهم فيه ؛ غير أن تمنيهم لن ينفَعهم حينها ؛ إذ يكونون قد قطعوا مراحل مهمة ً يصعب عليهم التخلي عنها والبداية من بادئ الأمر ، كما أن فئة من الناس يحسبون التعليم العتيق هو نفسه التعليم الأصيل أو هو تعليم تابع له ، وهم في رأيهم مخطئون ؛ إذ بين التعليمين فروقات شاسعة ، وأبرز فرق بين التعليمين هو اشتراط حفظ القرآن الكريم في العتيق دون الأصيل ، لكن الحق يقال : فحتى وإن لُمْنا شبابنا على جهلهم بما يوجد في بلدهم وربما في مدينتهم غير أنهم ليسوا ملامين بنفس القدر الذي يلام به إعلامنا الذي عمل على إهمال هذا التعليم سواء بقصد أم بغير قصد .
لكن الحقيقة المرة في نظر الحاقدين على هذا التعليم هي أنه يوجد تعليم ثالث وتعليم متميز جدا وفي بلدنا المغرب أيضا ، إنه التعليم العتيق يا سادة ؛ ذلكم التعليم الذي لا ينجح فيه إلا من كان من أوُلي العزم ، فتعالوا معي أحبتي لأطلعَكم على بعض خصائص هذا التعليم وطلابه .
فالتعليم العتيق أحبتي هو تعليم شأنه شأن التعليمين الآخرين ، فطلابه يتدرجون من الابتدائي نحو الإعدادي فالثانوي ، ثم بعد حصولهم على الباكالوريا يذهب بعضهم الى الكليات المغربية المختلفة التخصصات من أدب وحقوق وأدب إنجليزي أو فرنسي أو غيرها من التخصصات ، بينما يتابع البعض الآخر من طلبة العتيق دراستهم في نفس المسار فيلجون مرحلة جديدة من مراحل العتيق هي أعمق من سابقاتها ؛ إذ يدرس فيها الطالب أمهات الكتب التي لم يَبْرُز عالم أو فقيه إلا بعد تحصيلها كلِهّا أو جلِهّا ، فمن ذلكم : كتابُ بدايةِ المجتهد لابن رشد الحفيد في الفقه ، ومنظومة القواعد الفقهية للزقاق في مادة القواعد الفقهية، وأحكامُ القرآن لابن العربي في التفسير ، وحاشية ُ البناني على جمع الجوامع في أصول الفقه ، وغيرهم كثير .. ، وهذه المرحلة أي مرحلة ما بعد الباكالوريا تُدْعى بالعالمية ، ومدتها ثلاث سنوات ثم يحصل الطالب على العالمية وهي تعادل الإجازات الأخرى في مختلف الكليات ، وربما فاقت بعضهم ؛ إذ العالمية تخول لصاحبها تدريس مادتي الأدب و التربية الإسلامية في الثانوية العامة ، بخلاف كلية الآداب التي تتيح لخريجها تدريس مادة الأدب دون سواها ، وأيضا فكلية أصول الدين بمسلكيها التي تتيح للمتخرجين منها تدريس مادة التربية الإسلامية فقط ، كما أن خريجي العتيق يلجون مهنة العدل دون مباراة ، كما لا ننسى أنهم المقدمون في الإرشاد لمن شاء منهم ذلك ، إضافة إلى أن العالمية تخول لهم متابعة الدراسة في الماجيستر والدكتوراه ، غير أنه لا يمكن لأي شخص أن يتدرج عبر هذه المستويات إلا إذا كان حافظا للقرآن الكريم ، وتوجد عدة معاهد عتيقة تهتم بهذا الأساس ؛ حيث تختص بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم بعض مبادئه الأساس حتى يصل الطالب للسادس ابتدائي وهو حافظ للقرآن الكريم ، كما يجدر التنبيه على أنه يمكن لمن حفظ القرآن في المساجد أن يتُابع تعليمه في العتيق من خلال إحدى مؤسساته ؛ وذاك بإجراء اختبار له في القرآن الكريم ، وبعض المبادئ الأساس مثل الحروف الأبجدية الفرنسية ، وبعض العمليات الرياضية البسيطة من جمع وطرح ، حتى يرُى أيستحق المستوى الخامسَ أم السادسَ .
