مجتمع

الزواج أيضا نجاح

في وقت تعدّدت فيه مجالات العمل والإبداع، أصبحت قصص النجاح كثيرة وأبطالها كثر، حتى إن تصنيفها بات مستحيلا، نجاحات للنساء نصيب منها، جعلتها ترفع سقف أحلامها بعدما كانت لا تتعدى إتمام المسار التعليمي والحصول على زوج والإستقرار الأسري، سلسلة النّجاحات هذه صنعت تيارا خاصا يُبيح كل شيء إلا الزواج، يبخس من قيمته، ويجعله آخر الرغبات تحقيقا بل يمكن الاستغناء عنه لما لا ؟ لإستقامة حياة السيدات بدونه ، يعمل هذا التيار على نشر فكرة الاستقلالية، والاكتفاء بالذات دون الحاجة لأحدهم والخضوع له، معتبرين هذه المؤسسة -مؤسسة الزواج- سجنا أبديا، يحدّ من الحرية. تُهاجم إذا كل فتاة خططت لحياة زوجية ورسمت فارسا لأحلامها، تصبح بدون قيمة وتُبطل كل إنجازاتها السابقة في حالة وجودها، وينسب لها الفشل وتفكيرها تقليدي عالق بين الجبال. السؤال المطروح هنا ألا يعتبر الزواج إنجازا ونجاحا ؟ وأين موقعه في هرم النّجاحات المتعددة ؟. بالتأكيد أنه ليس النجاح الوحيد في حياة إحداهن، لكنه يمثل إنجازا في حياتها الشخصية والاجتماعية، يعكس قدرتها على بناء عائلة مستقرة نفسيا واجتماعيا، وهذا أمر يستحق التنويه والإحترام. فكل امرأة هي ناجحة؛ لأنها سلكت طريق المسؤولية ووجدت نفسها سيدة المنزل بكل مكوناته، مسؤولة عن بناء أسرة من أساسها إلى لَبنتها الأخيرة، وتحرص بدقة على تماسك هذا البنيان ولو على حساب صحتها النفسية والجسدية، هي أمام تحدي لا يقارن بتحديات أخرى؛ لا بنتائج البكالوريا وما بعدها لإحداهن ولا بوظيفة أخرى، ويجب أن لا نقع في فخ المقارنة هذا. في مقتبل عمرها تسير في مسار تدعمه عادات وتقاليد المجتمع والتي تسلب منها جزء من حريتها وتخفض من صوتها. يعتبر إنجازا سهرها على راحة أحدهم، ومحاولاتها لخلق نوع من التوازن والتأقلم مع كل التغييرات، التعديلات، العوائق والأهم خيبات الأمل، فأصعب ما يمكن للمرء أن يواجهه هو خيبة الامل وأن يخالف توقعاتك، ذاك الشخص الذي بالغت في رسمه بألوان المثالية والكمال في جميع النواحي.

تجد نفسها سجينة أربعة جدران رفقة شخص كأنها لا تعرفه سابقا، وكونها علاقة حسَّاسة لها تأثير كبير على الفرد، المستقبل والمجتمع بشكل أهم؛ الصبر والتوازن النفسي مطلوبان لضمان الاستقرار والاستمرار وتقليص حجم الاصطدامات ، صبرها على المزاج المتغيّر، الشخصية الأنانية، الانتقادات التي لا تنتهي والتعليقات عن كل شيء بدون مناسبة وسبب، صبرها على الإهمال، عدم الاهتمام بحقوقها كامرأة وغياب الاحترام، والعنف اللفظي أحيانا، صبرها على قِوى أخرى تؤثّر في العلاقة وتعطي نفسها الحق في إبداء رأيها والتعبير عنه بكل حرية وتجاوزها للحدود المرسومة بدعوى القرابة والعائلة ومشتقاتها. وفي إطار تأنيث أعمال المنزل التي تُنسب لها وحدها فهي تعيش أياما رتيبة، تتكرر يوميا ولسنوات طويلة، تنتقل فيها من غسل الأواني وطبخ الأكل وتنظيف المنزل بكل مكوناته، تقوم بكل هذا من بداية نهارها إلى آخر الليل، أحيانا من باب الرغبة والبحث عن الشعور بالراحة النفسية وأحيانا كثيرة تفعله لأنه من الواجبات المفروضة عليها وغير معترف بها فقط لأنها أنثى ولأنها في مجتمع لا يعترف أبدا بإخضاع هذه الأعمال للتقسيم بين الزوجين .

يتوالى مسلسل المسؤوليات وتأتي المسؤولية الأهم وهي الأمومة، والتي تعتبر قوة مجتمعية كبيرة، ودورها مهم في تربية الأجيال القادمة، مَهمة طبيعية لها حجمها، ويصعب الموازنة بينها وبين أعباء العمل المنزلي مَهمة شاقة ومليئة بالتحديات التي لا تنتهي والتي تكون فيها الأم تائهة بين تلبية احتياجات الأبناء ، رعايتهم وتنظيم حياتهم اليومية، وبينما ترى بعض الحركات النسوية أن الأمومة ماهي إلاّ عبودية، فهي تعتبرها أعظم النجاحات تحقيقا على المستوى الشخصي، ومسؤوليتها الكاملة، وعلى عاتقها هي فقط يقع العبء كليّا، فهي في نظرها حقيقتها التي تنفرد بها، مسؤولية ثقيلة كهذه تختارها طوعا ودون تفكير في مخلفاتها أعراض صعوبتها تبدأ من مرحلة الحمل، وصولا للولادة وبعدها ليالي السهر الطويلة، واعية بكل هذا ولكنها متشبتة بأمومتها وباقي وظائفها الأخرى مغلفة هذه المعاناة بثوب الحب وهَمّها أن تسير السفينة بثبات نحو بر الأمان، ألا تعتبر هذه التضحيات إنجازا ؟ ألا يعتبر الزواج إذا نجاحا للسيدة وبطولة تحققها إلى جانب كثير من النجاحات الأخرى ؟ واجبنا أن نصفق للبطلة الأولى، المشرفة على صناعة جيل من الأب إلى الإبن، مهتمة بأدق تفاصيلهم، مستغنية عن جزء مهم من راحتها في سبيل تحقيق توازن وسط جملة من الاختلالات ووسط قاموس يحمل بين طياته كل الكلمات المحبطة التي يجمعها مفهوم الهدم، ضاربة عرض الحائط كل صرخات المجتمع. بطلة وسيدة البطولات وخطوة زواجها يعتبر إنجازا عظيما وأهم الإنجازات التي حققتها في حياتها. وواجبنا أن نتذكر أن الزواج لا يزال أحد أهم أسس الحياة الاجتماعية، والشريك قد يكون الدعم والسند لتحقيق نجاحات شخصية أخرى ومهنية لما لا !؟ واجبنا أيضا أن نحترم خيارات الآخر واختياراته سواء كانت الالتزام بالزواج وتشكيل أسرة أو الاستقلالية وتحقيق النجاحات الشخصية دون خضوع.

كالم الشعيبية

طالبة تخصص اقتصاد اكتب خواطر وقصص قصيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق