تدوينة متصدرة

Si vas a tirar la toalla que sea en la Playa

عن قيمة الصبر قصدَ بلوغ المجد

محمد الرُّطَيَّان، في كتابه وصايا، أوصى ابنه بالصبر وعدم الاستسلام عندما يكون الأمر ذا علاقة بالرفعة والعلاء، فقال : “اعشقِ المجد ولا تستعجل الوصول إليه، سيصلك هو ذات يوم، ولا تيأس من انتظاره فالكثير من عظماء التاريخ بدأ مجدهم في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم.

إن لم تمتلك الصوت الجميل الذي يؤهلك لتكون مغنيا شهيرا أو التكوين الجسماني الذي يجعلك أحد أبطال الرياضة فتذكر أنك تمتلك العقل الذي بإمكانه أن يغير العالم، وهذا أمجاده تأتي متأخرة.”

يالها من وصية صعبة التنفيذ في عصر السرعة؛ سرعة التوهج وسرعة الانطفاء! تكتنز في طياتها قدرة الإنسان على الانتظار وانهياره أمام الصبر؛ ذلك الصبر الجميل عند صناعة الأمجاد

وقبل أن نقرأ معا عن عظماء عملوا بهذه الوصية، دعني أسألك سؤالا: هل تؤمن بعظمة عقلك؟ هل لك مجد وعدت به نفسك التواقة له المحاربة لأجله، بينما يبدو جدلا أنه تخلَّف عن موعده؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن  هذه الأسطر قد  كُتِبت لك أنت بالتحديد، سطور تخص سيرورة صناعة المجد الذي لا يأتي في لمح البصر!

في بداية المشوار سيثق الجميع بإمكانياتك؛ أحبابك، أهلك وأصدقاؤُك دون استثناء، وسيعلنون رهانا جماعيا “نعم ستفعلها يا رجل، يا صاحب المعنويات والطاقة الخرافية، فلا  شيء يستطيع  النيل منك”.

وستمر بعدها الأيام وتطويها الشهور والأعوام وتصعب معها رؤية طموحاتك المجيدة على أرض واقع ضبابي، وكأن أحلامك لازالت رضيعة الملامح!

تقرؤون أيضاً على مدونة زوايا

دور المجتمع المدني في الترافع عن قضايا الإعاقة بالمغرب

تنميـة الحَجر .. وإهمـال البشر

رواية المغاربة .. فحص التاريخ بعين الأعمى! 

النموذج التنموي من منظور المواطن المغربي

قد يسألونك من حين إلى آخر عن ما أحرزته من تقدم، مع أنَّ الواقع يصور لهم سيرا على الأقدام إلى الخلف، وقد لا يعاودون السؤال عن مشاريعك العظمى حتى لا يحرجوك، وإذا حدث وسألوا فيكون بدافع الاطمئنان بأنك بخير، وكأنهم يحاولون إقناع أنفسهم أنهم لازالو على وعدهم ورهانهم، وأن يقينهم لم يتذبذب ولو قيد أُنمُلة، وأن الشك لم يراودهم يوما حول  إبداع صنيعك، ولا في واقعية مخططاتك ولا في جودة الإبرة والخيط اللَّذيْن تخيط بهما مستقبلك الاستثنائي.

ستتسع دائرة الشك رويدا رويدا وستخطفهم خيبة الأمل السريعة واحدا واحدا بدءا من المعارف، مرورا بالأحباب وانتهاء بأشد المقربين.. وبين الشك وتأنيب الضمير سيستسلم إخوتك، صديقك المفضل، زوجتك الوفية وأبواك المحبان أمام أمجاد أتت عند الآخرين سريعا وضَلَّت طريقها إليك.

وحتى نكون منصفين،لا يجوز لنا لومهم ولا عتابهم وذلك لسببين:

-أولهما، أنه من المنطقي ألا يصدق المرء بأن السلحفاة قد تسبق أرنبا إن لم يشاهد السباق بأم عينيه، فمن إذن سيؤمن بأن بالوناتك الوردية ستصل السموات السبع، والريحُ صَرصرٌ عاتية؟!

-وثانيهما، دائرة الشك مهما اتسعت لا يهم، الأهم هو لوحة قف!

نعم، عليك أن تحمل في يدك اليمنى طموحاتك الكبيرة، وفي اليسرى لوحة قف أكبر منها؛ والتي سترفعها في وجه المعيقات وأولهن ذلك الشك اللعين الذي لا تدعه  يقترب من عالم المجد الخاص بك.. هو سرطان خبيث إن نال من الجميع فلا يجوز أن ينال منك.

فأنت هو العنصر الثابت والمتغير في الآن ذاته والمتحكم في مراحل حل معادلة نجاحك الخاصة بك، التي حتما لا تعلم متى قد تجد حلها المنيع لكنك متأكد من أن لها حلا!

فانسَ عامل الوقت ولا تتأثر لمجرد أنك على مقربة من سن التاسعة والثلاثين ولا زلت تحاول، لأن المجد لا يعلم بتاريخه إلا علاَّم الغيوب، مثل الموت!

فتمالك نفسك واطرد شيطان اليأس ووساوسه المحبطة، جدد عزيمتك وكلك يقين أن غدا لناظِره لقريب، وتذكر أنك ما إن تعتلي المنصة بعد هزم الشك واليأس والوقت، حتى تجد الفارين منك يعودون تباعا كما رحلوا.. فرحب بهم وشاركهم تجربتك الطويلة، واحكِ لهم كيف أنك وضعت اسمك في مصاف القصص الزاخرة بأمجادٍ أدركَتْ أصحابَها في أعمار متأخرة. 

فهل تود الآن أن تسمع عن بعض هذه القصص؟ 

يقول الله عز وجل في الآية الثالثة من سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِين} صدق الله العظيم. 

ألم تتساءل عن ماهية أحسن القصص التي تحدث عنها الباري سبحانه وخصها دون غيرها، حيث أنها القصة الوحيدة التي استُرسِلت بشكل متتابع في سورة كاملة؟! 

أعتقد أن السبب راجع إلى كونها قصة رجل عظيم علا شأنه تدريجيا وقد ابتدأت حكايته برؤيا! 

لو أنك تقرأ سورة يوسف لأول مرة، هل كنت ستصدق ان رؤيا الإحدى عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لسيدنا يوسف المذكورة في الآية الرابعة ستنتهي بتحقيق تلك الرؤيا عند الآية المائة؟ وبين الآيات الست والتسعين ابتلاءاتٌ ومحنٌ لم تنل من صبر عزيز مصرَ إلا كل أمر جميل. 

أتريد قصة أخرى؟ ففي جعبة التاريخ الكثير والكثير…

في إحدى حلقات الموسم الثاني من مسلسل “الفايكنغ” الشهير، ذهب “رولو” أخ الملك “راغنر” عند عرافة البلدة وسألها بائسا: يشهد لي الجميع بروحي القتالية العالية وبأنني مقاتل لن يتكرر مرتين، مُحَنَّك ولا أهاب الموت أبدا، وهذا السيف قدر محتم على رقبتي قبل أن يكون على رقبة العدو، و لكن رغم كل هذا راغنر هو الملك، هو من يحكم وكل الانجازات تسجل في التاريخ باسمه، وقد فضلته “لارغا” وتزوجته هو، رغم أنني أحبها وما كنت لأخونها كما فعل هو…. 

فتجيبه العرافة: لو كنت تعلم ما تخبئه لك الأيام القادمة لما تسرعت وسقطت في هذه المقارنة البئيسة ولغادرت خيمتي راقصا من شدة الحبور والسعادة لمجد كبير ينتظرك. 

وفي الموسم الرابع يتزوج رولو من ابنة ملك فرنسا بعدما يعجب بحماسه وشجاعته، ويصبح بذلك من العائلة النبيلة وتُفتح له أبواب القدر السبعة. 

لدينا أيضا النجاح الكاسح لرواية هاري بوتر والتي تعود للكاتبة “جون رولينغ” الحاصلة على وسام الشرف البريطاني والتي لم تحقق مجدها إلا بعد عناء طويل وأصبحت في الأربعينات من عمرها أول مليارديرة في العالم من الكاتبات! 

سلسلة كنتاكي للدجاج والتي تحقق مبيعات هائلة في السوق العالمية تعود ل “هارلاند ساندر” الرجل ذو الشعر الأبيض الذي ترمز صورته إلى كفاح  دام 65 عاما حتى يُتوَّج بمجد مثل هذا! 

منذ شهر تقريبا، أنهى الرجاء البيضاوي مباراة العودة ضد الوداد البيضاوي بحصيلة التعادل 4-4 ضمن الدور السادس عشر  من كأس محمد السادس للأندية، بعدما كان منهزما ب 4-1  عند الدقيقة 71 من عمر المباراة… في تلك اللحظة، لم يكن لتأهله أية ملامح بارزة لا من قريب ولا من بعيد، إلا أنه في خمس وعشرين دقيقة استطاع أن يغير مجريات اللقاء لصالحه، بعدما كانت الجماهير الودادية قد تبادلت التهاني والمُعَلِّقون قد باركوا لوداد الأمة.. 

لم يكن حينها لاعبو الفريق الأخضر يعلمون أن مجدهم قادم في تلك الليلة التاريخية في مقابلة ديربي أقل ما يقال عنها أنها استثنائية، ولكن بالهم لم يهدأ طوال المباراة، حاولوا وحاولوا مرة وثانية وثالثة.. وعند الدقيقة 93، آخر أنفاس المباراة، سددوا تسديدة المجد الكروي وتأهلوا عن جدارة واستحقاق وبأهداف خرافية جاءت متأخرة! 

فلتعتبر مجدك مباراة كروية من هذا القبيل واعتبر معها الدقيقة الثالثة والتسعين هي السنة الثالثة والتسعين من عمرك… أرجوك لا تستهزأ بما أقول فلعلي سمعت عن قصص أشخاص سطع مجدهم بعد أن وارى التراب أجسادهم! ولنا في قصة شخصية العام سام الكرتونية عبرة! (أنصحك بقراءة حكاية أشهر كرتون سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية). 

وبالعودة الي ملاعب كرة القدم، أود أن أخبرك عن  مقولة مهمة في قانون التحفيز ترددها الجماهير الإسبانية في الملاعب، وهي تدعو فرقها إلى عدم الاستسلام: 

Si vas a tirar la toalla que sea en la Playa

الترجمة الحرفية لهذه المقولة تفيد أنه إن كنت تنوي رمي مِنشفتك فليكن ذلك في الشاطئ؛ وهو ما معناه أنه إن كنت تنوي رفع راية الاستسلام فلتفعل ذلك بعد أن تعانق مجدك الذي وعدت به نفسك.

إذا كنت على وشك الاستسلام وسترمي ورقتك ومحاولتك الأخيرة، فلتفعل ذلك في مكانه الصحيح، منصةُ التتويج!! 

مهما اختلفَتْ وتنافرَتْ وتجادلَتْ، أجمعتْ كل الديانات والثقافات والجنسيات وكل الحقب التاريخية على أن المجد ليس وليد الصدفة، وإنما نتاج سنوات من الجد والاجتهاد والعطاء والإيمان اللامتناهي، وأن الركن الخامس في ديانة المجد “أن لا تمل من الانتظار وتتعلم فن الصبر الجميل”. 

وأخيراً، أوصي نفسي وأُوصي الجميع :

سيرورة المجد تخصُّك أنت ولا أحد غيرك، فجدّد نيتك لمجدك المرتقبِ كل يوم، بل وكل دقيقة وكل جزء من ثواني حياتك المترادفة، فكما أن الأنفس لا تدري بأي أرض تموت، لا يدري العظماء أيضا في أي سن يعانق كلٌّ منهم مجده!

تعليق واحد

  1. كلام رائع وكلنا بحاحة الى هذه التذكير الرائعة. شكرا للكاتب على هذه العبارات العميقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *